الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلقي شديد على أسرتي، كيف أجد الراحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري، أُقيم في بريطانيا مع أسرتي، وأحرص على أداء الصلاة وذكر الله تعالى، ولست متزوجًا بعد، أُعاني من حالة قلق شديدة، إذ أني أجد نفسي قلقًا في أغلب أوقات اليوم، بنسبة تقارب 99%، بشأن احتمالية وقوع مكروه لأشخاص مقربين مني.

كما تراودني تساؤلات وأفكار كثيرة، مثل: ماذا لو أصاب مكروه أمي؟ ماذا لو اقتحم رجل منزلنا وقام بقتل زوجتي أو اغتصابها -لا قدّر الله- (بعد أن أتزوج) ماذا لو كانت أمي في طريق عودتها إلى المنزل، وقام شخص بخطفها بسيارته، قبل أن يتمكن أحد من مساعدتها؟

تنتابني أفكار مشابهة عن المئات، بل الآلاف من النساء اللاتي يتعرضن -والعياذ بالله- للاختطاف والاغتصاب، مما يزيد من خوفي وقلقي على أمي، وعلى زوجتي المستقبلية.

أود التأكيد على أن هذا الاضطراب النفسي الذي أُعانيه لا علاقة له بتأخري في الزواج، بل هو قلق دائم ومتواصل منذ فترة، وأخشى الأمور ذاتها على فتاة أُعجبت بها، وأرغب في الزواج منها، إذ يزداد قلقي وتفكيري فيها بشكل كبير.

أرجو منكم التكرم بإرشادي وتوجيهي، وجزاكم الله خير الجزاء، وجمعنا وإياكم في جنّات النعيم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كم هو إيجابي وحسن أنك قد تواصلت معنا؛ لأن حالتك بالفعل مزعجة ومؤلمة نفسياً، وإن كانت بسيطة جدّاً حسب المقاييس والمعايير التشخيصية، فهي مجرد حالة من حالات القلق النفسي، تُعرف بالوساوس القهرية، فالفكر الوسواسي قد يكون فكراً اضطرارياً، يُبنى على تفكير خاطئ، ويعلم الإنسان بسخافة هذه الأفكار، ولكنها تكون متسلطة عليه، وتسبب له الكثير من الإزعاج، وأهم ما في الأمر هو أن تدرك أن هذا هو قلق الوساوس، وهو ليس بحالة عقلية، ولا يعتبر مرضاً نفسياً خطيراً.

ثانياً: أهم وسيلة للعلاج هو تدارس هذه الأفكار مع نفسك، ثم بعد ذلك تبدأ في تحقيرها وتجاهلها وتقول لنفسك: (ما الذي يجعلني أشغل نفسي بهذه الأفكار الوسواسية؟ يجب أن أحقرها).

ثالثاً: عليك أن تقوم بإجراء تطبيقات سلوكية خاصة، حاول أن تربط بين الفكرة الوسواسية وشيء آخر، وذلك بعد أن تقوم بكتابة هذه الأفكار، وإدراجها على ورقة، ابدأ بأقلها إزعاجاً لك، ثم بعد ذلك انتقل إلى ما هو أشد، وهكذا، وتكون المواجهة السلوكية الفكرية بأن تتأمل في الفكرة، ثم بعد ذلك تقول: (قف قف قف) بقوة وشدة، وأنت هنا وفي أعلى درجات التركيز، تخاطب الفكرة الوسواسية.

التمرين الثاني: هو أن تقرن بين هذه الأفكار الوسواسية وأي نوع من المثير المخالف، وأفضل مثير مخالف هو إيقاع الألم على النفس، يمكنك أن تضع الرباط المطاطي في يدك على الرسغ، وفكر في الفكرة الوسواسية، وبعد ذلك قم بشد هذا الرباط المطاطي بشدة، ثم أطلقه بقوة، وبالتأكيد سوف يقع عليك ألم شديد، كرر هذا التمرين -أي: إيقاع الألم والربط بين الألم والفكرة الوسواسية- وقد وجد علماء السلوك أن هذا يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، وسوف تضعف الوساوس بهذه الطريقة.

عليك -أيها الفاضل الكريم- أن تمارس الرياضة، أن تدير وقتك بصورة جيدة، أن تكثر من تواصلك، وجزاك الله خيراً أنك محافظ على صلواتك، وعليك بتلاوة القرآن والدعاء والذكر.

بقي أن أقول لك إنه -وبفضل من الله تعالى- توجد علاجات دوائية متميزة لعلاج هذا النوع من القلق الوسواسي، ومن أفضل هذه الأدوية دواء يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، يفضل تناولها بعد الأكل، استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك قم برفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم توقف عن تناول الدواء.

يتميز البروزاك بأنه دواء غير إدماني وغير تعودي، ويمكن الحصول عليه دون وصفة طبية، ولكن إذا اشترط أن يُصرف الدواء عن طريق الوصفة الطبية، فهنا يمكنك أن تتواصل مع طبيب الأسرة (GB) وتوضح له حالتك، ويمكن أن تذكر له أن أحد الأطباء النفسيين قد اقترح عليك تناول هذا الدواء، وحالتك تسمى باللغة الإنجليزية (Ocd) وهذا اختصار لكلمة أو لجملة (Obsessive compulsive disorder) وأؤكد لك أن التزامك -إن شاء الله- بتناول الدواء بالصورة الصحيحة، وكذلك تطبيق التمارين السلوكية السابقة، سوف يعود عليك بنفع عظيم إن شاء الله.

أقدم على الزواج، ففيه خير كثير بالنسبة لك، وهذه الحالة يجب أن لا تمنعك من الزواج، وكما ذكرت لك -إن شاء الله- سوف تتحسن حالتك جدّاً.

أسأل الله لك التوفيق والشفاء، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً