السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخي الكريم، أود أن أسأل عن أمرٍ لا أدري كيف أبدأ في وصفه.
أحمد الله تعالى فأنا أحفظ القرآن وأخشى الله كثيرًا، وقد بلغتُ من العمر السادسة والعشرين عامًا، لكنني أشعر وكأن عمري عشر سنوات، ومشكلتي هي كالتالي:
نشأتُ في أسرة بسيطة، مع أبٍ وأمٍ يخشيان الله ويُحبان الآخرة، وكانا نِعمَ الأبوين، وبدأت القصة بمرض الأب، وأتذكَّر أنه كلما تألَّم كان يحمد الله، وفجأة بدأ أبي يُحدثنا عن الموت، وأنه سيُفارق الحياة، وفعلًا تُوفي إلى رحمة الله.
بدأتْ والدتي تربيتنا وتعليمنا حتى أصبحنا مهندسين ومدرسين وأطباء، وفجأة -بعد وفاة الأب بخمس سنوات- شعرتْ أمي بالألم وأُصيبت بالسرطان، وأجمع الأطباء على أنها ستفارق الحياة بعد أيام، ومن العجيب أن أمي وهي في غيبوبتها كانت تقول: "محمد رسول الله"، وتنادي على أبي، وعندما أفاقت أجلستنا حولها وقالت: "أنا أحبكم يا أولادي"، وأخذتْ تبكي وقالت لنا: "إن الجنة حلوة"، وتوفاها الله، وأثناء ذلك وقبل الوفاة كانت تتألَّم وتنظر إليّ وتطلب مني أن أساعدها، ولكن لم أستطع فعل شيء.
بعد هذا كله شعرتُ أن الدنيا ليس لها طعم، وبدأتُ أتقرب من الله وأفكر أنني سأموت في أي وقت، وأحاول أن أعمل أعمالًا صالحة، ولكن مشكلتي -يا شيخ- أنني رغم هذا أفعلُ معاصٍ، وأنجذبُ لهذه الدنيا الغادرة.
فأنا -يا شيخ- أصبح بداخلي إحساس جميل وهو الحنين إلى الأب، أريده أن يحضنني ويضمني ويشعرني بالأمان، ولكنني لا أجده، ومشكلتي أنني أحب من هُم أكبر مني سِنًّا، أصحاب الستين عامًا، أحبهم دون أن يعلموا أنني أحبهم، وأتمنى لو يحضنونني أو يشعرونني أنني ابنتهم، ولكن لا أحد يشعر بي.
ذهبتُ إلى خالي وقلت له إني أحبه مثل أبي، فقال لي: "وأنا كذلك"، وتحدَّث معي ببرود، وكأني إنسانة ساذجة، لا أحد يفهمني.
أنا لست مريضة، أنا أبحث عن من يعوضني عن فقدان أبي، فأنا لم أتزوج، وأضع شروطًا لمن يريد أن يتقدم لي: أولًا أن يكون حافظًا للقرآن وعاملًا به، وأن يكون مستعدًا أن يضحي بنفسه في سبيل الله، وأن يكون مثل والدي.
هذه هي مشكلتي مع الحياة ومع الناس ومع نفسي، بالله عليك -يا شيخ- ساعدني، ماذا أفعل؟