الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب الوساوس والقلق، لا أستمتع بحياتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه أول مشاركة لي موقع إلكتروني، ولكن عندما قرأت ردودكم أحسست بأنني -بإذن الله- سأجد الحل لمعاناتي.

فأنا امرأة متزوجة، أبلغ من العمر 29 سنة، موظفة ولدي طفلة في السنة الثانية من عمرها، بدأت معاناتي منذ حوالي ثماني سنوات، عندما كنت في السنة الثانية في الكلية، فقد بدأت أحس بضيق وقلق عند دخولي إلى الكلية، وبارتباك أحيانًا عند حديثي مع أساتذتي وزميلاتي، وأحيانًا عند مشاركتي في القاعة الدراسية.

ومع الوقت، بدأ هذا الإحساس يتزايد ويكبر، حتى وأنا مع بعض أهلي وإخوتي وصديقاتي، ولكنني كنت أحاول جاهدة أن أخفي ما أحس به عن الجميع، على أمل أنها فترة وستنتهي، ولكن حالتي بدأت تسوء، وعند التحاقي بالوظيفة، في البداية كانت حالتي النفسية أفضل نوعًا ما، ولكنها بدأت تسوء وتسوء مع الوقت، فأصبحت أرتبك كثيرًا، والقلق والتوتر يسيطران علي.

تزوجت وحملت في نفس الشهر، وحالتي النفسية تسوء، فأصبحت أكره الذهاب للعمل، وأكره حضور الاجتماعات والدورات التدريبية، خوفًا من أن يُطلب مني المشاركة، لأنه عندها ستبدأ دقات قلبي بالخفقان بسرعة وسأرتبك، ونبرة صوتي ستتغير.

أصبحت أواجه صعوبة في التعبير عن فرحي أو حزني، وبدأت أحس أن هناك طاقة قوية تجذبني للداخل، حتى عندما أضحك لا أحس بالفرح، وبأن الضحكة تخرج من قلبي، وعند الحديث أحس أن نبرة صوتي ليست طبيعية، وعندما أشعر بالغضب لا أستطيع الصراخ أو التعبير عن هذا الغضب، وهذا الإحساس يعذبني كثيرًا، فعندما أكون في تجمُّع عائلي أو وظيفي، أحس بعناء كبير وبألم في قلبي وتقلص في أمعائي، وبدأت أفقد الإحساس بالمتعة في أي شيء أفعله أو أحصل عليه.

بدأت ألاحظ في أوقات كثيرة أنني أضغط على أسناني من الخلف، من غير أن أشعر بذلك، وفي فترة حملي، وفي خضم هذه المعاناة، انتابني شعور جديد، ألا وهو الخوف، الخوف من الموت، فأصبحت أخاف من كل شيء حتى من النوم، وبدأت أصارع الأفكار والوساوس التي تطرق رأسي، فأصبحت أبكي بشكل يومي تقريبًا، بيني وبين نفسي، من غير أن أُعلم أحدًا بما أحس به، حتى عند تفكيري بالقيام بعمل صالح أو خير، يخطر ببالي أنني سأعمل هذا الشيء لأن موتي قريب، فتنتابني موجة من الحزن والبكاء والتفكير.

في الشهر السادس من حملي، تم تنويمي في المستشفى لمدة شهر تقريبًا، بسبب ارتفاع ضغط الدم، وعندما سألت الدكتور عن سبب ارتفاع الضغط، قال لي: إنه ضغط حمل، علمًا بأن هذا لم يحدث لأي من إخوتي مسبقًا، بدأ الخوف من الموت يزداد أكثر في هذه الفترة، وبالرغم من ذلك كنت أتظاهر بالقوة، ولا أُحدث أحدًا بما ينتابني من أفكار، بالرغم من أنني كنت أتألم وأتعذب كثيرًا، وفي بداية الشهر السابع، اضطر الأطباء إلى توليدي قيصريًا، بسبب ارتفاع ضغط الدم وانخفاض نبض الجنين.

فهل حالتي النفسية كان لها سبب في ارتفاع الضغط لدي؟ علمًا بأن علاقتي الزوجية كان يشوبها فترات من التوتر والخلافات والشجار والبكاء.

بعد الولادة عاد ضغط الدم إلى مستواه الطبيعي، ولكن زادت حالتي النفسية سوءًا، وكبر لدي الخوف من الموت، فقدت الإحساس بالاستمتاع بأي شيء، حتى ابنتي لم أقضِ معها لحظات ممتعة، بسبب ما كنت أشعر به من قلق وخوف وارتباك، وتعب من أي مجهود أبذله، حتى لو كان بسيطًا.

استخدمت حبوب منع الحمل بعد الولادة بستة أشهر، وتوقفت بعد أن أكملت ابنتي سنتين، ومنذ شهرين عملت فحصًا للهرمونات، بسبب عدم انتظام الدورة الشهرية، وإحساسي بالتعب لأي مجهود، حتى لو كان بسيطًا، والعصبية، فقيل لي إن لدي ارتفاعًا في هرمون الغدة الدرقية، وأنا حاليًا آخذ دواء يسمى Propylthiouracil Tablets 50 mg مرة واحدة يوميًا، علمًا بأن وزني ازداد بعد أن بدأت باستخدام هذا الدواء.

إلى الآن أعيش في هذه الدوامة من الخوف من الموت، وفقد التركيز، والقلق، والارتباك عند انخراطي في أي تجمُّع عائلي أو وظيفي، وازداد الأمر سوءًا، فأصبحت أرتبك وأتوتر حتى عند حديثي أو وصفي لأي موضوع، حتى لو أمام شخص واحد، ولا أحد يعلم بمعاناتي، خوفًا من نظرات الشفقة، أو مما قد يُقال عني بأنني ضعيفة الشخصية، مع العلم أن علاقتي الزوجية ما زالت تمر بفترات من التوتر والخلافات والشجار والبكاء.

أرجو أن أجد لديكم العلاج والدواء المناسب، مهما كان سعره، والذي لا يتعارض مع حبوب الغدة، ولا يزيد من وزني، لأن وزني أصبح يزداد بعد تناولي لحبوب الغدة، لأنني أريد أن أستمتع وأعيش حياتي في استقرار وهدوء نفسي.

وفقكم الله، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد قمنا بالاطلاع على رسالتك بكل تفاصيلها، وبتمعنٍ في محتواها، ونقول لك: حالتك حالة بسيطة بالرغم ممَّا سببته لك من معاناة، وتعتبر مثالية من ناحية الوصف الطبي، الأمر كله بدأ لديك بقلق نفسي بسيط، ثم تطور بصورة ارتقائية، وتحوَّل هذا القلق إلى نوع من المخاوف النفسية، خاصةً في الإطار الاجتماعي، وبعد ذلك تولَّدت لديك وساوس قهرية، ليست بدرجة شديدة، ولكن من الواضح أنها زادت من معاناتك النفسية، وحتى لا تنزعجي كثيرًا، نقول لك: الخوف والوساوس ما هما إلَّا نوع من القلق النفسي، وليسا أكثر من ذلك.

لا شك أن القلق من هذا النوع وبهذا الحجم -وبهذا التراكم- يؤدِّي إلى عسر في المزاج، لذا شعرتِ بأنك غير مرتاحة، وأنكِ لا تستمتعين بالحياة بالصورة المطلوبة، وظهرت لديك الأعراض الجسدية للقلق، مثل تقلص الأمعاء، وهذه الحالات بالطبع كثيرة جدًّا، أي الأعراض النفسوجسدية التي تكون في الأصل مصاحبة لحالات القلق.

بالنسبة لفترة الزواج والحمل: من المفترض أن تكون فترة جيدة في حياتك، وتشعرين فيها بالسعادة، ولكن نظرًا لأن نواة القلق لديك قوية، لم تعيشي فيها نوعًا من الوئام النفسي والتوافق النفسي مع ذاتك ومع محيطك، وبعد ذلك أتى الحمل -كما ذكرتِ- وتخلَّل هذا الحمل ارتفاع في ضغط الدم، وهذا يسمى بـ(ضغط الحمل)، وهو أمر معروف يصيب النساء، خاصةً في الحمل الأول، ولا علاقة له مطلقًا بالحالة النفسية، لا من قريب ولا من بعيد.

قرار الطبيب بأن تتم الولادة مبكرًا، كان قرارًا صائبًا، ما دام هنالك ضعف في نبض الجنين وتزايد في ضغط الدم، والحمد لله تعالى، الآن أصبح الضغط في مستواه الطبيعي، فأرجو ألَّا تنزعجي لهذا الأمر أبدًا، وأنا أؤكد مرة أخرى أنه ليس لحالتك النفسية أي علاقة بما يعرف بضغط الحمل، فهذه الحالة قيد الأبحاث، وحتى الآن لم يتوصل الأطباء لمعرفة أسبابها.

سوء الحالة النفسية بعد الولادة هو تطور طبيعي، بالنسبة للشخص الذي لديه أصلاً الاستعداد للقلق والخوف والتوتر، ويُعرف أن فترة النفاس فيها الكثير من التغيرات الهرمونية والنفسية والوجدانية، وبالنسبة لك كانت هذه الفترة شاقة من الناحية النفسية؛ لأنه -كما ذكرنا- لديك الاستعداد للقلق والخوف، ونعتقد أيضًا أن زيادة إفراز الغدة الدرقية أدت إلى زيادة القلق، فمن المعروف تمامًا أن نشاط الغدة الدرقية حين يزداد بواسطة هرمون الثيروكسين (Thyroxin)، يؤدي إلى حالة من القلق والتوتر، وتسارع في ضربات القلب وفقدان للوزن.

هذا العامل مهم جدًّا، ونحن دائمًا ما نحرص على فحص مستوى هرمون الغدة الدرقية، للأشخاص الذين يأتون في حالة من القلق النفسي لأول مرة، والحمد لله، الآن تم اكتشاف الحالة -أي حالة الإفراز الزائد لهرمون الغدة الدرقية- وقد قام الأطباء بإعطائك العلاج الصحيح، والزيادة في الوزن التي حدثت لكِ ليست ناتجة عن الدواء الذي تتناولينه الآن، إنما ناتجة عن التحكم في زيادة إفراز الهرمون، لأن نشاط الغدة الدرقية الزائد، -كما ذكرت لكِ- يؤدي إلى انخفاض في الوزن، بالرغم من تحسن الشهية لتناول الطعام.

أرجو أن نكون قد أوضحنا لكِ الجانب الطبي والجانب التشخيصي لحالتك، ونحن نؤكد لكِ أنها -إن شاء الله- حالة بسيطة بالرغم مما سببته لكِ من معاناة.

الخلاف بينك وبين زوجك والتوتر والشجار، لا شك أنه أمر مؤسف، يجب أن تبذلي أقصى ما تستطيعين للحفاظ على بيتك وزوجك وزواجك بصورة جيدة وفاعلة، ونعتقد أن حالتك النفسية ربما ساهمت بقدر ما، في عدم تحملك للخلافات البسيطة، فنود أن ننبهكِ لهذا الأمر، ونريد منكِ المزيد من الصبر والتروي، وأن تحافظي على بيتك وزواجك مهما كانت الظروف.

ومن جانبنا سنقوم بوصف علاج فعَّال جدًّا بالنسبة لكِ، ونعتقد أن الدواء الأفضل والذي لا يتعارض مع دواء الغدة، وليس له آثار جانبية، وليس إدمانيًا، هو العقار المعروف تجاريًا باسم (Cipralex، سيبرالكس) ويعرف علميًا باسم (Escitalopram، إسيتالوبرام) أرجو أن تتناوليه بجرعة عشرة مليجرامات ليلاً، استمري على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرين مليجرامًا ليلاً، واستمرّي عليها لمدة شهرين أيضًا، ثم خفضي الجرعة إلى عشرة مليجرامات ليلاً، واستمرّي عليها لمدة ستة أشهر، ثم خمسة مليجرامات -أي نصف حبة من فئة الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرامات- واستمرّي على هذه الجرعة الصغيرة لمدة شهر، ثم خمسة مليجرامات يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء، الـ Cipralex يعتبر الدواء المثالي والأفضل، ويجب أن أكون واضحًا معكِ أن هذا الدواء -في بعض الحالات- ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة جدًا في الوزن، وهذا ربما لا يحدث، وإن حدث فهو يكون في الأسابيع الأولى، وبعد ذلك يرجع الوزن لوضعه الطبيعي، فأرجو منذ البداية أن تكوني حريصة في نوعية الطعام الذي تتناولينه، وأيضًا قومي بممارسة الرياضة؛ لأن هذا الدواء دواء نافع جدًا لكِ.

بجانب الـ Cipralex، أريدكِ أيضًا أن تتناولي دواء إضافيًا يعرف باسم (Denaxit، ديناكسيت)، أرجو أن تتناوليه بجرعة حبة واحدة في الصباح لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناوله، هو دواء مضاد للقلق، ومن المعروف أنه مفيد وليس له آثار جانبية.

بجانب العلاجات الدوائية التي ذكرناها لكِ، أرجو أن تتأكدي أن هذه الحالة بسيطة، والأمر الآخر والضروري هو أن تتابعي وظائف الغدة الدرقية مع طبيب الغدد، والأمر الثالث هو أن تمارسي الرياضة -أي نوع من الرياضة- لأنها تؤدي إلى بناء طاقات نفسية جديدة، ويجب ألَّا تهتمي بالأفكار السلبية المشوهة التي قد تسيطر على تفكيرك، وأرجو أن تحفزي وتبني أفكارًا إيجابية جديدة، وأنتِ لديكِ من الأشياء الجميلة الكثير جدًا في حياتك، يجب أن تتأمليها وتتدبريها وتستمتعي بها.

وختامًا، نسأل الله لكِ العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكركِ على التواصل مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً